م يعرف العالم كله أنبل من نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ كانت بعثته حدا فاصلا ما بين عهود الجهالة والظلام، وعهود النور والحضارة والرقي. لقد جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم مبعوثا بالحق من عند الله تعالى، يحمل خير الرسالات إلى العالم أجمع، دون تمييز ما بينهم في عرق ولا لون ولا جنس، يقرر للناس جميعا أن أباهم واحد، وأن أصلهم واحد، وأنهم جميعا متساوون أمام الله تعالى لا يفاضل بينهم إلا الإيمان بالله والعمل الصالح..
لم يقل هذا أحد من الناس إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حين تفرق الناس وتعالى بعضهم على بعض، وفي حين كانوا يتقاتلون على السلطة والمال، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل لأجل الضعفاء والمظلومين، الذين صودرت حرياتهم الدينية، وصاروا أتباعا مسخرين لملوكهم الطغاة.
لم يقاتل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والمسلمين من بعدهم إلا لغرض واحد: هو ألا يمنع ملك شعبه من السماع لدعوة الحق، فكان من يسمح للمسلمين بنشر دينهم ودعوتهم ومبادئهم، يجد كل الاحترام والمسالمة من قبل المسلمين، مثلما حدث في إندونيسيا، التي آمن شعبها بنعمة الله تعالى ثم بدافع من ذاته عندما سمعوا لدعوة الحق دون إرهاب من ملوكهم ودون منع من حق الاختيار، فلم تقاتل جيوش المسلمين أحدا هناك، لأنها لم تكن لتقاتل إلا دفاعا عن حق الإنسان في اختيار دينه، وما دام ملوك هذه الجزر كانوا على قدر المسؤولية والتفهم لحقوق أهل البلاد في اختيار دينهم، فما كان ما يدعوهم للقتال.
ولأن هذه الحروب قد جاءت دفاعا عن الإنسان، وعن حق الإنسان في اختيار دينه وعقيدته، في عهد لم يكن العالم يقدر فيه هذا الحق ولا يعترف به، فلم يكن لجندي مسلم أن يؤذي أيا من هذه الشعوب التي جاء مدافعا عنها وعن حقها، وحريصا على مستقبلها في الدنيا والآخرة، ولهذا السبب، فلم يعرف العالم كله أنبل من الفاتحين المسلمين الذين لم يكونوا يقتلون طفلا ولا امرأة ولا شيخا، ولم يكونوا يقتلون من يمتنع عن القتال أويستسلم، ولا كانوا يقتلون الأسرى أو يعذبونهم، وما كانوا يجبرون أحدا على اعتناق الإسلام كما أمرهم القرآن أمرا صريحا، فكان كل مرادهم من الحرب هو أن يتحرر الإنسان من أي ضغط ويختار ما يشاء بكل حرية بعد أن يسمع لرسالة الحق.
كانت هذه هي رسالة محمد صلى الله عليه وسلم: أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله. وأن الله تعالى لم يخلق البشر هملا وعبثا في هذه الدنيا، وإنما خلقهم جميعا ليعمروا الأرض بالخير وعبادة الله، وأن الله تعالى سيحاسب كل من يفعل الشر في يوم القيامة، وأن كل إنسان له أن يختار في هذه الدنيا دينه وعقيدته، وأن حسابه على الله تعالى.