أيها المسلمون : الأصل في الزواج هو التعدد ، قال الله تعالى : " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا " . فالتعدد قضية محسومة من
قبل الشرع ، ولا مجال للرأي فيها ، وهي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولكن ليس التعدد العشوائي هو ما حث عليه الكتاب والسنة ، بل التعدد وفق ضوابطه الشرعية المحكمة من لدن حكيم حميد ، فمن كانت له زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن يعدل بينهن ، ولا يحل له بحال أن يخص إحدى زوجاته بشيء دون الأخريات ، من النفقة والسكنى والمبيت والهدية وحتى الابتسامة ، فإذا تبسم في وجه الأولى كان لزاماً عليه أن يتبسم في وجه الأخرى ، هذا شرع ربنا ، وسنة نبينا ، والشرع حق والحق أحق أن يتبع ، لقد جاء التشريع بالتعدد في كتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا يمكن أن يشرع المولى جل وعلا أمراً يكون فيه ضرر وظلم للناس ، إذ لا يُتصور ذلك أبداً ، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، ومن اعتقد مثل ذلك الأمر فقد هوى ، وضل عن الهدى ، وكفر كفراً مبيناً ، وزاغ عن الصراط المستقيم ، واتبع غير سبيل المؤمنين ، فلما عُلم أن الشريعة الإسلامية قد أباحت التعدد ، عُلم بالضرورة أن في التعدد فوائد كثيرة وعظيمة ، وفيه خير وبركة للبشرية جمعاء ، بل فقدان التعدد سبَّبَّ العديد من الكوارث والنكبات على مستوى المجتمعات ، وأوجد العديد من المشاكل والبلاقع ، وأحدث الكثير من الكوارث والفظائع ، وانبت الغث والسمين من الأهوال والفواجع ، التي تئن منها كثير من البيوتات ، والواقع خير شاهد ، فلقد كثر العوانس والمطلقات في البيوت ، وعلى المرء المنصف الطالب للحق أن يعلم ذلك علم يقين . وعلى المرأة الصادقة مع الله تعالى ، أن تنظر إلى التعدد بعين العانس والمطلقة التي تبحث عن زوج وأسرة وأولاد ، لا بعينها هي وما يكتنفها من أوهام وأحقاد ، وعلى العاقل الفطن أن لا ينظر إلى التعدد من زاوية واحدة فقط ، وهي ظروف الزوجة الأولى ، بل يجب أن لا يُغفل جانب المصالح العظيمة التي ترتب عليها تعدد الزوجات ومن أهمها امتثال أمر الله تعالى ، ومنها مصالح الزوجة الثانية ، فهذه المرأة الثانية هذه هي فرصتها ، فلماذا تضيعها ، وإذا لم تتزوج بهذا الرجل فاتها قطار الزواج ، وربما تحرم من الذرية وبناء الأسرة المسلمة ، واللبنات الأولى في المجتمع المؤمن ، وما أثير من أن الزواج بأكثر من واحدة يجلب المشاكل ، ويُكثر القلاقل ، فهذا أمر عار عن الصحة وبعيد عن الحقيقة ، فالرجل العاقل المؤمن المتتبع لكتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، يعلم علم اليقين أن ذلك هراء وغثاء ، وسم بين الدسم ، بل هو السم الزعاف ، إنه كلام من يدعون حرية المرأة ، وهم يريدون الفتك بالبرية ، بل التعدد جزء من السعادة ، أما المشاكل فلا يخلو منها بيت على الإطلاق ، حتى بيت النبوة لم يخلوا من المشاكل ، ودواوين السنة شاهدة بذلك ، بل إن البعض من الناس ليس له إلا زوجة واحدة ، ومع ذلك فهي تكيل له من العناء والتعب ما لا طاقة له به ، فأمر المشاكل ليس عائقاً عن التعدد ، بل هو أعظم أسباب التعدد ، لأن الرجل إذا لم يجد السعادة في بيت ، وجدها في الآخر ، وهناك من النساء من ترفض التعدد لا لشيء ، إلا لجهل منها بحكم الشرع في ذلك ، وحب للسيطرة والتملك ، ولو كان لديها بنات في سن الزواج وتقدم لخطبتهن رجال متزوجون لما رفضت ذلك إطلاقاً ، فكيف ترضى لبناتها ذلك ولا ترضاه لبنات المسلمين ، إن مثل هذه المرأة لا بد أن تعلم أن التعدد شُرع من أجل المصلحة الاجتماعية للفرد والأمة الإسلامية ، من التكاثر في النسل ، وإنقاذ الكثير من العوانس وانتشالهن من براثن أهل السوء ودعاة التبرج والإباحية .
أيها المسلمون : العدل أساس التعدد ، وقد جاء الوعيد الشديد لمن كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط " [ أخرجه الخمسة وغيرهم ، بسند صحيح ] ، وفي رواية : " من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى ، جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً " ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما ، جاء يوم القيامة وشقه مائل " ، وفي هذه الأدلة دليل على تأكيد وجوب العدل بين الضرائر ، وأنه يحرم ميل الزوج لإحداهن ميلاً يكون معه بخس لحقهن ، إلا أن يسمحن بذلك .
عباد الله : إن الله الذي فطر النفس البشرية ، يعلم من فطرتها أنها ذات ميول لا تملكها ، ومن ثم أعطاها خطاماً لينظم حركتها فقط ، لا ليعدمها ويفقدها بالكلية ، من هذه الميول أن يميل القلب البشري إلى إحدى الزوجات ويؤثرها على الأخريات ، فيكون ميله إليها أكثر من الأخرى أو الأخريات ، وهذا ميل لا حيلة فيه ، ولا يملك محوه أو التخلص منه ، فالله تبارك وتعالى لا يحاسبه على أمر خارج عن إرادته ولا حول له فيه ولا قوة ، فلا يكون الرجل موزعاً بين ميل لا يملكه ، وأمر لا يطيقه ، فأمر القلب خارج عن إرادة بني البشر فلا يملكه إلا الخالق سبحانه ، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي في القسم بين نسائه ويقول : " اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك " [ أخرجه الخمسة ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود صـ 164ـفحة ] ، لكن هناك من العدل ما هو داخل في إرادتهم ، فهناك العدل في المعاملة ، والعدل في القسمة ، والعدل في المبيت ، والعدل في النفقة ، والعدل في الحقوق الزوجية كلها ، حتى الابتسامة في الوجه ، والكلمة الطيبة باللسان ، وهذا هو المطالب به الأزواج ، هذا هو الخطام الذي يقود ذلك الميل وينظمه ، فالقلب بين إصْبَعَين من أصابع الرحمن ، يقلبه كيف يشاء ، وكذلك الجماع ، فقد ينشط الزوج للواحدة ما لا ينشط للأخرى ، فإذا لم يكن ذلك بقصد منه فلا حرج عليه فيه ، فإنه مما لا يستطيعه فلم يتعلق به تكليف