يكاد المرض ينهش بجسدي ..
يحاول القضاء على بسمتي ..
يحاول القضاء على طفولتي ..
لم أكمل عامي العشرين ..
إلا وهذا المرض قد افترس جسدي ب اكلمه ..
بدأ الألم بوخزه سريعة بقلبي ..
وتوالت الوخزات ..
وبدأت نوبات الألم ..
تألمت بصمت ..
لم يشعر أحد بمرضي الخطير ..
كنتُ اصبر على المرض ..
أخفيه عن أعينهم ..
لا أريد أن يصيبهم الحزن ..
مرت ليالي وأنا ابكي وأتأوه بصمت ..
ومع مرور الأيام ..
بدأتُ أشعر بأن المرض قد بدأ ينتقل من قلبي
لبقية أعضاء جسدي النحيل ..
إلى أن وصل لأخمص قدميّ ..
بدأت الهالات السوداء تتمركز تحت عينايّ البريئتان ..
بدأت الشحوب تغزو محيايّ الطفولي ..
كنتُ متردد للذهاب الي الطبيب ..
ولكني وصلتُ لحاله .. لا استطيع فيها تحمل الألم
ذهبت وكنتُ متوقع ما سأسمعه ...
أجريت الفحوصات المتعبة والمملة
تقدم إلي الطبيب والارتباك واضحٌ على محياه ..
سألني كم عمركِ يا صغيري ؟؟
أجبته .. سأكمل عامي التاسع عشر بعد خمسة أشهر
فطأطأ رأسه وسكت لبرهة ..
ألن أكمل عامي العشرين يا دكتور ؟؟؟
الأعمار بيد الله
ولكن أشعر بأني لن أكمله ..
فالمرض قد سيطر على جسدي ..
صغيري .. منذ متى وتعرف عن معاناتك ومرضك ؟
منذ سنه .....
من يعلم من اهلك ؟
لا احد .. سوى دفاتري وكتبي ..
فقـــــــــــــط .........
نعم .. لم اخبر أحدا .. حتى لا يعيشوا بحزن ابدي
فأنا أعلم ..
أن والدتي .. ستحزن كثيرا لفراقي ..
فأنا ابنها الوحيد ..
ولطالما حلمت أن تراني ببذلتي البيضاء..
وتحمل أطفالي على كتفها . . وينادونها جدتي
ولكن هيهات ..
فأنا أشعر .. بألمي.. فلم يبقى إلا القليل ..
ولكني ما زلت اقبلها صباحا.. بوجه مشرق ..
واقرصها .. وأداعبها ..
لأنني لا أريد أن أشعرها بأي تغيير ..
حاولت أن اخبر أختي ..
ولكني وجدتها مشغولة بتجهيزاتها لزفافها ..
تأتي ليلا لغرفتي منهكة ..
تجلس بجانبي على السرير ..
تخبرني عن حبها الكبير لزوج المستقبل ..
تخبرني ماذا اشترى لها من هدايا ..
وعن مفاجأته لها برحله لمدة شهر لاستراليا ..
تخبرني عن شوقها لهذا اليوم
الذي لم يبقى عليه إلا خمسة أشهر ...
فكيف اخبرها بمرضي .. وهي بغاية السعادة
أتود مني أن اقتل فرحتها
أما والدي .. فأنا ظللت طوال عمري خجول منه
رغم إنني دائما اختلس النظرات إليه
فانأ أحبه كثيرا .. واراه قدوتي
كنتُ احلم بفتاة أحلامي تشبه أمي..
هل علمت الآن يادكتور لماذا لم أخبرهم ؟
حتى لا يعيشوا الحزن
فلو أخبرتهم .. لما جهزت أختي لزفافها
ولما رأيتُ السعادة تشع من عيناها
والدتي ووالدي
رغم مرور (30) عاما على زفافهم
إلا أن الحب ما زال يحيط بينهما
دكتور ..
ها أنت الوحيد الذي يعلم بمرضي بعد الله
لذا سأترك معك هذا الصندوق ...
به وصيه صغيره .. أتمنى أن تسلمها لوالدتي يوم وفاتي
صغيري .. ما هذا الكلام.. فالله قادر على كل شيء
اطمأن إيماني بالله كبير .. ولولا هذا الإيمان .. لما استطعت
إن اصبر هكذا على المرض
ولكن .. العمر ينتهي وأود أن اكتب كلمات لوالدتي تقراها بعد وفاتي
هل تعدني بذلك ؟؟
حسنا .. أعطني الصندوق
ولا تنسى اخذ الأدوية ..
متى أمر عليك ..
تعال بعد أسبوعين .. وان شعرت بتعب فاتصل بي فورا
حسنا ًً..
إلى اللقاء .. شكرا لك يا دكتور ..
ذهبت لمنزلي .. انفردتُ في غرفتي
أخذت أدويتي ..
قرأتُ آيات من القرآن ..
واستلقيت على السرير لآخذ قسطا من الراحة ..
ومرت الساعات .. تلو الساعات .. وكانت أخر اللحظات ..
وفُتحت الوصية ..
وقرأها الدكتور ..
قراها والكل بكى معه ..
قرأ كلمات تلك الطفل الشاب .. كتبها بخط جميل ..
كتب .. لوالدته .. احبكِ .. والدتي .. كنتِ صديقتي .. أختي ..
والدتي .. اعذريني لان مرضي كان السرالوحيد بيننا ..
ولكن لم أقوى أن أخبرك إني مصاب بالسرطان ..
لم أقوى إن تسهري معي وتري نوبات ألمي ..
لم أقوى إن اقتل الابتسامة من على محياك الجميل
والدتي .. أتعلمين كنتُ أحسدك على أمر ما .. سأخبرك إياه الآن
حسدتك مراراعلى عشق والدي لكِ ..
فلم أرى بحياتي قصة حب تضاهي حبكما .. وكنت احلم بفتاة
أخذها بين ذراعي .. وأحيطها بالحب لـ(30) عام مثلكما
ولكن شاء الله إن لا أكمل عامي العشرين ..
والدتي .. لا تبكي على وفاتي ..
أختي الحبيبة .. كم أحببتك .. وأحببت مغامراتنا معا ..
وكم كنتُ سعيد عندما أكون معك ...
عزيزتي .. لا أريدك أن تؤجلين زواجك .. ولكن لي طلب بسيط ..
أن رزقك الله بطفل .. فأطلقى عليه اسمي .. ..
والدي .. فخري وعزتي .. فرحي وسروري ..
لوتعلم مقدار احترامي لك .. مقدار الحب الكبير الذي يكنه قلب لك ..
والدي أنت مثال الأب الرائع .. لن أوصيك على والدتي ..
لأنني اعلم ما بينكما من حب صادق
دكتوري .. أشكرك من أعماق قلبي .. لكتمانك سري..
لا تنسوني من الدعاء ..
..
وقضى السرطان .. على جسدي....
اللهم نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة
اللهم شافي مرضانا ومرضى المسلمين
اللهم اشفي مرضى الأمة وارحمنا يا الله
منقول للافادة