يجب ان تعلموا أن رحمة الله قد عمَّت الكائنات.وأن أعظم صفات المولى تبارك وتعالى هي الرحمة، فهو رحمن رحيم.. وهو رحمن الدنيا والآخرة.والملائكة يوم تتوسل لربها تبارك وتعالى فإنها تثني عليه بالرحمة فتقول: ((رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ
الْجَحِيمِ)).فرحمته سبحانه وتعالى تبلغ ما بلغ علمه جلَّ وعلا، فرحمته لا تتناهى.لقد خلق الله الرحمة كما في الصحيح في مائة جزء فجعل جزءاً واحداً في الدنيا يتراحم به الناس والحيوانات، حتى إن الدابَّة لترفع حافرها عن ولدها مخافة أن تطأه بسبب هذه الرحمة.أما تسعة وتسعون من الأجزاء فادَّخرها الله عنده يوم القيامة. (1)والله عز وجل خير الراحمين..
قال سبحانه: ((وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ)). فرحمته سبحانه وتعالى لا تتناهى، ولذلك طلب الله من عباده أن يكونوا رحماء، ومدح المؤمنين بأنهم ((أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)).
فما أعظمَ رحمة الله وما أجلها.. يوم يتذكرها العبد المسلم فيكون رحيماً بعباد الله.وأبعدُ القلوب عن الله تبارك وتعالى القلب القاسي، فإنه سبحانه لا يحل الجبارين والمتكبرين ولا الذين يحملون قلوباً قاسية لا ترحم ولا تلين.قال سبحانه: ((أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)).
قست قلوبهم بقطيعة الرحم، وقست بعقوق الوالدين، وقست بأكل الربا، وقست بالزنا، وقست بالتناحر والتقاطع.. ولذلك قال الله فيهم: ((فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)).
أُتي للرسول صلى الله عليه وسلم بسَبْي من الكفار.. وفي السبي امرأة والهة مدهوشة أُخذ ولدها من بين يديها وهو طفل رضيع، فأصبحت حائرة.. وأصبحت قلقة مضطربة تبحث في السبي، وكلما وجدت طفلاً وضعته على ثديها وهي تبكي.. حتى وجدت طفلها فأخذته فوضعته على ثديها وروحها تكاد تفارقها من الفرح
فقال صلى الله عليه وسلم: (أرأيتم هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ )
قالوا: لا والله يا رسول الله.
فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لله أرحم بعباده من هذه بولدها). (1)
فمن رحمة الله أنه يرى العصاة الفَجَرة الجبارين المتكبرين يسفكون الدماء ويأكلون الأموال ويتعدُون على الأعراض ويغتصبون الأموال ورحمته لا تزال تكتنفهم، وستره لا يزال يغشاهم سبحانه وتعالى،
وهو لم يغفل عنهم: ((وَلا تَحْسَبَنَّ الله غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ)).
ويخبرنا الله أن الرحمة لا تقتصر على بني الإنسان بأن نرحمهم دون غيرهم.. بل هي لجميع الكائنات الحية.. فيخبرنا صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً فاجراً من بني إسرائيل قد ارتكب الفواحش الكثيرة مر يوماً من الأيام ببئر وقد بلغ به من الظمأ ما الله به عليم، فنزل وشرب، فلما روي صعد من البئر فرأى كلباً يلهث من الظمأ.
فقال الرجل الإسرائيلي: لقد بلغ بهذا الكلب ما بلغ بي من الظمأ.
فعاد إلى البئر وملأ خفه من الماء وقدَّمه للكلب فشرب الكلب منه.
فرضي الله عن هذا الرجل وأدخله الجنة) (1) ،
بسبب هذه الرحمة التي خالطت قلبه.. فمن يرحم يُرحم.ويخبرنا صلى الله عليه وسلم عن قصة أخرى (1) تخالف هذه القصة السابقة لنتبين الفرق.(يخبرنا عن امرأة شريرة قاسية القلب قد حبست هرَّة في بيتها ساعات طويلة.. فلا هي أطعمتها وسقتها.. ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ويرزقها الله بما شاء.
فكان جزاء هذه المرأة الظالمة عند الله أن أدخلها النار بسبب هذه الهرة المسكينة، فكانت هذه الهرة تخمشها في نار جهنم إلى ما يشاء الله).فالرحمة مطلوبة أيها المسلمون.. وعواقبها مغفرة من الله ورضوان.
وقد كان سيد الرحماء من هذه الأمة هو رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي امتدحه الله بأنه ألّف قلوب العرب المتفرِّقين المتحاربين المتعادين... بالرحمة.
قال تعالى: ((وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)).
فكان صلى الله عليه وسلم يمتاز بالرحمة حتى يقول الله له تبارك وتعالى: ((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ الله لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)). أي لو كنت سستهم بالشدة وبالجبروت وبالسفك لتفرقوا وتبعثروا وما اجتمعوا لك أبداً.ومن رحمته صلى الله عليه وسلم أن الرجل يأتي يحمل الحقد والكراهية له صلى الله عليه وسلم فيعود منه وقد أصبح قريباً حبيباً..
فهو يطبق قوله تعالى(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ)) كان صلى الله عليه وسلم يمر في سكك المدينة مع الأطفال فيقبّلهم.كان صلى الله عليه وسلم يصلي فتأتي أمامة ابنة ابنته فترقى على كتفه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فإذا قام رفعها وإذا سجد وضعها. (1)
فهل بعد هذه من رحمة؟ وهكذا كان يصنع بـالحسن و الحسين ابني فاطمة . فكان يُطيل السجود لأجلهما! فإذا سأله الناس
قال: (إن ابنيّ هذين ارتحلاني فخشيت أن أوقعهما في الأرض فأؤذيهما فانتظرت حتى نزلا). (1) .
فهل تعاملنا مع الأطفال مثل تعامله صلى الله عليه وسلم، أم أنه الضرب والطرد من المساجد والتخويف؟
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم: أنه كان يسمع بكاء الأطفال في الصلاة فيعجّل بالسلام خشية أن يشق على أمهات أولئك الأطفال.
بل كان يغضب غضباً شديداً على من يطيل بالناس الصلاة ويشق بهم ولا يرحمهم، كما في قصته مع معاذ رضي الله عنه.ومن رحمته صلى الله عليه وسلم: أنه كان يبكي وتدمع عيناه لفراق أحبابه كما في حادثة وفاة ابنه إبراهيم، فلما سئل عن تلك الدموع قال: (إنها رحمة وضعها الله في قلوب من يشاء من عباده). (1)
ومن رحمته: أنه كان يهش للأطفال ويقبّلهم -كما سبق- وفي مرة من المرات (رآه الأقرع بن حابس التميمي يقبلهم فقال: والله إن عندي عشرة من الأولاد ما قبلت واحداً منهم، فقال صلى الله عليه وسلم: وما أملك لك إن كان الله نزع الرحمة من قلبك). (1) .
ومن رحمته: أنه كان يرحم الحيوانات حتى في طريقة الذبح فيقول: (وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) (1) ومن رحمته: أنه صلى الله عليه وسلم أخرج رجالاً رحماء بعد أن كانوا قساة القلب غليظي الطبع..
فكان عمر رضي الله عنه إذا قام يصلي بالناس غلبته دموعه وضاع صوته مع البكاء.وكان رضي الله عنه في عام الرمادة لا يشبع من الطعام رحمة بالمسلمين ممن لا يجد ذاك الطعام.
عباد الله: إن الله يريد منا أن نتراحم وأن نقرّ مبدأ الرحمة في حياتنا وسلوكنا، ومن ذلك:أن نودَّ لإخواننا ما نود لأنفسنا فنرحمهم إذا جاعوا أو إذا احتاجوا.. ونرحمهم إذا رأيناهم بعيدين عن الله ونتمنى أن يعمهم الله بهدايته ورحمته.ونسعى لنفعهم وخدمتهم وقضاء حاجاتهم بما استطعنا لعل الله أن يرحمنا بتلك الرحمة التي في قلوبنا لهم، فإن من يرحم يُرحم.أسأل الله لي ولكم الرحمة الواسعة من الله تعالى.. وأن يجعل قلوبنا تمتلئ رحمة على إخواننا المسلمين في كل مكان.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَم.,والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات الاحياء والاموات