لم يكن خافيا أن قضية الرسومات التي سعت لتشويه صورة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كانت ورقة تحركها أطراف حاقدة على الإسلام والمسلمين. وهكذا بُعيد الهدوء النسبي الذي عرفته دول العالم الإسلامي عقب حركات احتجاجية كبيرة اتفقت في مضمونها على مقاطعة
المنتجات الدنمركية كإجراء أولي قطعا لدابر الكائدين لهذا الدين، أصدرت مجموعة من المفكرين والمثقفين بيانا دوليا يطالبون فيه الديمقراطيين بالقيام بحرب على الإسلام، بحجة أنه نظام شمولي يسعى إلى إقامة عالم تسوده الفوضى والحقد، علما أن البيان نشرته صحف عديدة من بينها صحيفة "جيلاندر بوستن" الدنماركية التي كانت الحلقة الأولى في مسلسل نشر الرسومات الكاريكاتورية.
وسعى البيان الذي وقّعه اثنا عشر شخصا، قاسمهم المشترك أنهم نشروا دراسات وأبحاثا تهدف إلى نقد الإسلام والاستهزاء بقيمه، إلى التأكيد على أن المعركة مع الإسلام تعتبر امتدادا لمعركة العالم المتحضر ضد الفاشية والنازية والستالينية، موضحين أن الصراع الذي يشهده عالم اليوم ليس "صراع حضارات ولا عداء بين الشرق والغرب، ولكنه صراع عالمي بين الديمقراطيين والدينيين".
وكنتيجة منطقية للرؤية العدائية التي يحملها أصحاب البيان ضد الإسلام والمسلمين، تم التأكيد على أنه "مثل جميع الأنظمة الشمولية، يتغذى الإسلام بالخوف والغضب. ويراهن دعاة الكراهية على العواطف من أجل إنشاء كتائب بغرض خلق عالم قائم على خنق الحريات وعدم المساواة. ولكننا نعلن صراحة وحزما: ما من شيء، وحتى اليأس، يُبرر اختيار الظلامية والشمولية والحقد. والإسلام يعتبر أيديولوجية رجعية أينما حلت تقتل المساواة والحرية واللائكية. ونجاحها لا يمكن إلا أن يقود إلى عالم مبني على القهر: قهر الرجل للمرأة وقهر الإسلاميين لغيرهم. ومن أجل منع هذا، علينا أن نؤمّن الحقوق الكونية لكل المقهورين والمضطهدين".
ودفعا لكل التباس حول إمكانية استهداف جميع أتباع الديانات العالمية وليس الإسلام وحده، أوضح البيان أن أصحابه يرفضون "(النسبية الثقافية) التي تقوم على أساس قبول أن يُحرم رجال ونساء ذوو ثقافة مسلمة من الحق في المساواة والحرية والقيم اللائكية باسم احترام الثقافات والتقاليد". كما أنهم يرفضون التخلي عن روحهم النقدية خوفا من اتهامهم بـ "رُهاب الإسلام/ إسلاموفوبيا"، مُبرزين أنه "مفهوم مؤسف يخلط بين نقد الإسلام وبين التعييب على أتباعه".
وفي الختام، طالب الموقّعون على البيان بوجوب "تعميم حرية التعبير، وذلك حتى تتمكن الروح النقدية من سيادة كل القارات، ضد كل التلاعبات والعقائد". ودعوا ما أسموهم بـ"الديمقراطيين والأحرار في كل العالم ليصبح قرننا قرن المعرفة المضيئة وليس قرن الظلام"، في إشارة إلى الإسلام.
ويأتي هذا البيان الذي وقّعه سلمان رشدي وتسليمة نسرين وبرنار هنري ليفي في قائمة تحوي اثنا عشر مفكرا ليؤكد النظرة العدائية التي يحملها الغرب عبر مؤسساته لكل القيم الإسلامية، ليس بغطاء "رُهاب الإسلام" كما يؤكد أصحاب البيان أنفسهم، ولكن بدعوى أنه دين لا يمكن التعايش معه ولا احترامه لأنه دين مبني على الحقد والكره والبغضاء، بحسب أولئك المفكرين. وقد وقع على البيان عدد ممن انتسبوا إلى الإسلام وكلهم لهم كتابات تهاجم الإسلام وتحاول تشويه صورته كأمثال سلمان رشدي وتسليمة نصرين ومهدي مظفي ومريم نمازي.
ولكنّ السؤال المطروح اليوم يوجّه إلى دعاة حوار الحضارات والأديان الذين يجدون أنفسهم على هامش السياسة الغربية في إدارة الصراع مع العالم الإسلامي، فمتى يتخلى المسلمون عن عقد النقص الكامنة فيهم ويقتنعون أن المنظومة الفكرية الغربية تحركها الموروثات التي تغذت قرونا من الحروب الصليبية، وأننا لسنا في نظرهم سوى كائنات ظلامية لا حق لها بالعيش في عالم النور!
نص البيان:
لنواجه معا الشمولية الجديدة
يقع عالم اليوم تحت تهديد نظام شمولي جديد هو الإسلام، وذلك بعد التغلب على الفاشية والنازية والستالينية.
نحن، معاشر الكتاب والصحافيين والمثقفين، نطالب بمقاومة الشمولية الدينية وترقية الحرية والمساواة في الحظوظ وكذا اللائكية لجميع الناس.
أظهرت الأحداث التي تلت نشر أوروبا للرسومات الكاريكاتورية ضرورة المقاومة من أجل هذه القيم العالمية. وأن هذه المعركة لا يمكن الظفر بها عن طريق الأسلحة، ولكن علينا أن نسلك طريق الأيديولوجيا. فنحن لا نشهد صراع حضارات ولا عداء بين الشرق والغرب، ولكن صراعا عالميا بين الديمقراطيين والدينيين.
مثل جميع الأنظمة الشمولية، يتغذى الإسلام بالخوف والغضب. ويراهن دعاة الكراهية على العواطف من أجل إنشاء كتائب بغرض خلق عالم قائم على خنق الحريات وعدم المساواة. ولكننا نعلن صراحة وحزما: ما من شيء، وحتى اليأس، يُبرر اختيار الظلامية والشمولية والحقد. والإسلام يعتبر أيديولوجية رجعية أينما حلت تقتل المساواة والحرية واللائكية. ونجاحها لا يمكن إلا أن يقود إلى عالم مبني على القهر: قهر الرجل للمرأة وقهر الإسلاميين لغيرهم. ومن أجل منع هذا، علينا أن نؤمّن الحقوق الكونية لكل المقهورين والمضطهدين.
إننا نرفض "النسبية الثقافية" التي تقوم على أساس قبول أن يُحرم رجال ونساء ذوو ثقافة مسلمة من الحق في المساواة والحرية والقيم اللائكية باسم احترام الثقافات والتقاليد. ونحن نرفض التخلي عن روحنا النقدية خوفا من اتهامنا بـ "رهاب الإسلام/ إسلاموفوبيا"، وهو مفهوم مؤسف يخلط بين نقد الإسلام وبين التعييب على أتباعه.
إننا نطالب بتعميم حرية التعبير، وذلك حتى تتمكن الروح النقدية من سيادة كل القارات، ضد كل التلاعبات والعقائد. ونحن ندعو الديمقراطيين والأحرار في كل العالم ليصبح قرننا قرن المعرفة المضيئة وليس قرن الظلام