اشتعلت حرب المقالات السعودية المصرية على أثر اعتقال المواطن المصرى أحمد الجيزاوى وما أعقبه من مظاهرات ضد السفارة السعودية ونهاية بسحب السفير السعودى من مصر وإغلاق السفارة والقنصليات السعودية فى مصر.
فقد هاجم الكاتب والإعلامي السعودي تركي الدخيل شعب مصر ووصفهم بالرعاع فى مقال له فى صحيفة الوطن السعودى بعنوان "أيها المصريون: "فشوا غلكم من بعض على غيرنا"! وقال إننا لن نسمح بأن نكون شماعة يعلق عليها المختلفون من إخواننا المصريين، كل عيب يرونه فى بلادهم.
وأضاف: " أيها الإخوة المصريون لن نسمح لأحد بأن «يفش» غله من وطنه فى وطننا، ورموزنا، وممثلياتنا فى الخارج، فهذا تصرف الرعاع، ومنطق الغوغاء".
ورد عليه الدكتور خالد منتصر فى صحيفة "الوطن" المصرية بأن المصريين ليسوا رعاعا، بينما قالت الإعلامية رولا خرسا فى مقال لها بصحيفة "المصرى اليوم" إنها تتمنى أن يسن قانون يجرم التعدى بالألفاظ يسمى قانون العيب..
وإليكم المقالات:
أيها المصريون: "فشوا غلكم من بعض على غيرنا"! تركى الدخيل
مرت العلاقات السعودية المصرية، بمراحل شد وجذب، كان أبرز مراحل التوتر فيها، إبان الحقبة الناصرية، لأسباب كثيرة، منها حرص مصر عبدالناصر على إنهاء الملكيات العربية، واستخدام خطاب في وسائل الإعلام المصرية، يصف المنهج السياسي السعودي، بأنه منهج رجعي، لأنه نهج ملكي، انتهت الفترة الناصرية، وخف صعود التأزيم قبيل وفاة عبدالناصر، وفي أثناء حياة الملك فيصل، رحمهما الله، وعادت الأمور لسابق ما كانت عليه من دفء، معززة أخوة الشعبين، ومحبتهما لبعضهما.
تأزمت العلاقات مجددا بعد إعلان السادات زيارة إسرائيل، فتوقيعه معاهدة كامب ديفيد، ثم عادت العلاقات لسابق عهدها، بعودة مصر إلى أحضان العرب مجددا.
منذ اندلاع الثورة، وكثير من إخواننا الثوار، يصرون على توجيه شتائم للسعودية، وحكامها، ونظامها، بمناسبة، وبدون مناسبة، كان الهدوء من الجانب السعودي، بشقيه الرسمي، والشعبي، يُفسر في أحيان كثيرة، بأنه نابع من ضعف في الموقف، وهو تفسير خاطئ، فأبناء الصحراء، كما يحلو لبعض إخواننا المصريين، أن يتهكموا علينا، يصبرون، لا من ضعف، بل من حكمة، لأنهم يعرفون أن الهياج الذي يمكن أن يتلبسه أي أحد في أي موقف، ليس من العقل في شيء، وبدا أن مصر، حفظها الله، كلها، كانت هائجة منذ ما قبل الثورة، ولا تزال. اتهمت السعودية تارة، بأنها تؤيد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وتارة بأنها تؤيد الفلول، وثالثة بأنها تؤيد السلفيين، وأصبحت السعودية، شماعة لتعليق كل خلل في مصر، ولولا بقية خجل، لربما اتهمت بأنها سبب حملة نابليون على مصر!
نحن السعوديين، لسنا شوفينيين، لنمنع الآخرين من الحديث في شأننا، فبلادنا مهمة، جيوسياسيا، واقتصاديا، ودينيا، إلا أننا لن نسمح بأن نكون شماعة يعلق عليها المختلفون من إخواننا المصريين، كل عيب يرونه في بلادهم.
المحامي المصري الموقوف في السعودية بسبب تهريب 21 ألف قرص مخدر، بشهادة القنصل المصري، في برنامج الزميل معتز الدمرداش، أقر بالحادثة، لكنه قال إن أحدا أعطاه إياها ليسلمها لشخص ثالث في السعودية! ومع أن هذا العذر غير مقبول من رجل أمي لا يحسن من أمور الحياة المعاصرة شيئا، فإنه في حق من يعرف الضوابط القانونية لحمل هذه الكمية من الأقراص، بشكل شخصي، أشد رفضا، وهو ما يجعل إمكانية تصديق الرواية متعذرة. ومع ذلك، فنحن نقول، إن الحكم على القضايا المعروضة على الإجراءات القضائية، مبكر.
أيها الإخوة المصريون، نحن نقدر وشائج القربى، وعرى الصلة، لكننا لن نسمح لأحد أن "يفش" غله من وطنه في وطننا، ورموزنا، وممثلياتنا في الخارج، فهذا تصرف الرعاع، ومنطق الغوغاء، ليس مقبولا في أعراف الدول المتحضرة. هذا مع الأخذ بالاعتبار، أنكم كنتم تعيروننا بالتخلف لصالح تحضركم! فأين هى الحضارة يا أبناء الفراعنة، من الاعتداء على السفارات ومحاولات اقتحامها، وإهانتها بالكتابات المسيئة والعبارات السوقية!
المقال الثانى للكاتب المصرى الدكتور خالد منتصر بعنوان
"المصريون ليسوا رعاعاً يا تركى":
كنت أعتز دائماً بمهنية وحرفية وعقلانية الإعلامى تركى الدخيل، خاصة فى برنامجه «إضاءات» على قناة «العربية»، وأعتبره واحداً من أفضل المحاورين العرب، يجتهد فى تحضير مادة برنامجه بكل جدية وموضوعية، لذلك صُدمت عندما قرأت مقالته أمس فى جريدة «الوطن السعودية» تحت عنوان (أيها المصريون: «فشوا غلكم من بعض على غيرنا»!)، لمحت فيها لغة غريبة على الكاتب، لغة متشنجة ومفردات عصبية متعالية، بالطبع الجرائد السعودية والمصرية أيضاً بها تعليقات كثيرة من هذه النوعية، لكنها لا تثير الدهشة أو الاستغراب، لأنها غالباً من أقلام ليست لها قامة أو ثقل، ولكن الصدمة تأتى حين يكون الكاتب من نوعية تركى الدخيل، الذى كنا نراهن عليه كمثقف سعودى مستنير يستطيع رأب الصدع وترميم ما حدث من تدمير عقلى نتيجة انتشار الأفكار المتطرفة التى لم تفرق بين مصرى وسعودى، وليست مصادفة أن يكون رئيس تنظيم القاعدة سعودياً ونائبه مصرى!!، فهذا هو الحصاد الذى جنيناه من سيطرة فكر التكفير والجهل والتخلف.
كتب تركى الدخيل فى مقالته «لن نسمح بأن نكون شماعة يعلق عليها المختلفون من إخواننا المصريين، كل عيب يرونه فى بلادهم.. أيها الإخوة المصريون، نحن نقدر وشائج القربى، وعُرى الصلة، لكننا لن نسمح لأحد بأن «يفش» غله من وطنه فى وطننا، ورموزنا، وممثلياتنا فى الخارج، فهذا تصرف الرعاع، ومنطق الغوغاء» !!!.
المصريون ليسوا رعاعاً ولا غوغاء يا أستاذ تركى، هذه ليست صحافة ولكنها نوع من الردح الإعلامى!! من العيب والعار أن تكتب مثل هذا الهراء، انتقد كما شئت، وعلق كما شئت، ولكن أن تتهمنا بأننا رعاع فهذا ردح مكانه غرز المخدرات لا وسائل الإعلام، عيب أن ينزلق قلمك إلى هذا الحضيض والسباب، لماذا لم تنتقد سياسة الكفيل السعودية التى هى امتداد لسياسات الرق والعبودية؟ لماذا لم تدعُ إلى تعديل نظام القضاء السعودى لكى يتحول إلى قضاء مستقل مدنى بعيداً عن أمزجة الشيوخ؟! مصر يا أستاذ تركى صنعت ثورة وما يحدث فيها الآن من التوابع الطبيعية لهذه الثورة، ومظاهرات أى بلد لا تعنى بالضرورة أن هذا البلد بلد رعاع، وإلا كانت أمريكا بمظاهرات وول ستريت بلد رعاع، وبريطانيا بمظاهرات وشغب مشجعى كرة القدم بلد رعاع!! والسؤال: لماذا لم نطلق نحن حين اقتحم جهيمان العتيبى المسجد الحرام - وليس مجرد سفارة - وقتها وصف الرعاع، بل وضعنا الحدث فى سياقه.
نحن لسنا رعاعاً يا أستاذ تركى ولكننا شعاع أضاء المنطقة كلها، ومعلمون متحضرون واسأل كل طالب سعودى علّمه مدرس مصرى.
أما المقال الثالث للإعلامية رولا خرسا بعنوان
"إلى الدكتور خالد منتصر والأستاذ تركى الدخيل زميلى الوطن العربى"
اتصل بى قريب مصرى يعيش فى السعودية وأعطانى صديقه السعودى ليسألنى ببساطة: لماذا هذا الهجوم غير المسبوق على السعودية بسبب قضية "الجيزاوى"؟ شرحت له تعاطفنا معه بعد أن صرح أهله بأن غالباً ما حدث له كان بسبب هجومه فى لقاءات سابقة على النظام هناك، ثم تطور الأمر إلى تراشق بالكلمات، وبعد حوار طويل ومناقشة قال لى ادخلى على "تويتر" واقرئى ما يُكتب عنا، بل وأعطانى أسماء بعينها.. وصمت، ولم أقل له إننى قرأت كم الشتائم التى قيلت من المصريين للسعوديين، أشخاصاً ومسئولين، وأنا هنا أرد على الدكتور خالد منتصر، الذى كتب فى "الوطن" مقالاً حول هذا الموضوع، وقبل أن أكمل أود أن أهنئ "الوطن" على صدورها كمولود جديد فى عالم الصحافة.
وأهنئ "الوطن" بوجود الدكتور خالد فيها، فهو قلم له قراء كثر، من بينهم أنا. كتب الدكتور خالد مقالاً تحت عنوان: "المصريون ليسوا رعاعا يا تركى"، هاجم فيه الكاتب والإعلامى السعودى الشهير تركى الدخيل على مقال كتبه فى صحيفة "الوطن" السعودية تحت عنوان: "أيها المصريون: فشوا غلكم من بعض على غيرنا"، على عبارة قالها هى: "لن نسمح بأن نكون شماعة يعلق عليها المختلفون من إخواننا المصريين كل عيب يرونه فى بلادهم.. أيها الإخوة المصريون، نحن نقدر وشائج القربى، وعرى الصلة، لكننا لن نسمح لأحد بأن يفش غله من وطنه فى وطننا، ورموزنا، وممثلياتنا فى الخارج، فهذا تصرف الرعاع ومنطق الغوغاء"، الدكتور العزيز خالد منتصر أخذته الحمية وغضب لما اعتبره إهانة للشعب المصرى، وأنا هنا من منطلق حرصى على العدل أولاً، ومن منطلق اعتزازى بالزميلين سأحاول أن أكون واسطة خير وأرجو أن يتقبلا جهدى هذا بمعزة ومحبة. يا دكتور خالد الأستاذ تركى لم ينعت الشعب المصرى، بل وصف التصرفات التى حدثت من البعض بأنها تصرفات رعاع ومنطق غوغاء.
ووصف كل هذا بـ"فشة الخلق"، أى وصف التصرف لا الشعب، وأنا متأكدة أننى عندما أسرد لك ما حدث، ولمعرفتى عنك انحيازك للعدل، أنك ستوافقه.. ولنضع الأمور فى مكانها الطبيعى. فهل احتجاز القنصل السعودى فى السويس حتى ساعة متأخرة تصرف راق؟ وهل إلقاء الحجارة على السفارة وخلع شعار السعودية من على أبواب السفارة، ودهسه بالأقدام، ورسم نجمة الصهاينة على السفارة السعودية، ورفع الأحذية تصرف غير غوغائى ومسئول؟ وهل رسم جرافيتى ورسومات ضد الملك عبدالله ورفع العلم المصرى على سور السفارة تصرف مهذب؟ كل ما سبق ألا يعتبر انتهاكاً صارخاً للدولة الشقيقة؟ وهل السخرية من الأمراء وأسمائهم والذات الملكية أمر مهذب؟
يا عزيزى الدكتور خالد، وأنت واحد ممن يواظبون على الكتابة عن الحريات، هل توافق على عبارة قرأتها على "تويتر" تقول: "اشهد يا تاريخ أننا فى عام واحد طردنا السفير الصهيونى والسفير السعودى؟"، هل توافق على المساواة بينهما؟ وليتك تقرأ الشتائم التى أتمنى أن تضم صوتك لصوتى فى أن يسن قانون يعاقب من يتلفظ بها وبألفاظ نابية تخدش الحياء، نسميه قانون "العيب"، شبيه بقانون الرئيس الراحل أنور السادات.. ذكرت شتائم من العيار الثقيل.
من ناحية أخرى لماذا لم تذكر يا أيها الدكتور العزيز ما قاله الدكتور عائض القرنى فى مجموعة من التغريدات على "تويتر" عن المصريين، والتى قال فى واحدة منها: "والله لا نعتبر الإخوة المصريين إلا أحباباً وأصدقاء تربطنا بهم أواصل الدين والقربى والمصير المشترك والأهداف النبيلة"، إضافة إلى تغريدات تبنتها مجموعة من السعوديين تحت عنوان "مصريون أثروا فى حياتى"، تحدثوا فيها عن أشهر الأعلام وعن مدرسيهم وأصدقائهم.
ما حدث فى مصر ضد السعودية استفز من ناحية ثانية عدداً من الشباب السعودى، الذى رد على الشتائم بشتائم أيضاً، ولكن كما قيل فى الأمثال "البادى أظلم"، ولم يقف السعوديون هنا احتجاجاً على تقديم سعوديين للقضاء المصرى بتهم مختلفة، "الوطن" السعودى و"الوطن" المصرى صحيفتان، إلا أن الوطن العربى واحد. يا دكتور خالد ويا أستاذ تركى نحن أشقاء يجب أن نقتدى بحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم: "لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب"، ودورنا كنخبة ألا نعوم على عوم العوام عندما يخطئون، وما حدث كان فيه الكثير من الأخطاء.. فلنعترف ولنعل قيمة الوطن العربى على صغائر أمورنا.. لكما محبتى وتحياتى.