جراب بابا أوباما"!!
كثيرون اعتقدوا أن أوباما هو بابا نويل. وأنه قد جاء إلي مصر ومعه "خرج كبير" به كل ما تشتهي أنفس المستمعين إلي خطابه.. وكل يغني علي ليلاه.
فريق كان ينتظر أن يضرب أوباما بعصاه السحرية خريطة فلسطين. فينهدم الجدار العازل وتنفتح البوابات والحواجز. ويخرج الإسرائيليون من مستوطناتهم نادمين علي ما فعلوا في حق إخوانهم الفلسطينيين حيث بنوا واستقروا وناموا وأمنوا علي حساب شتاتهم وتشريدهم وخروجهم من أوطانهم.. ثم فجأة تتحول صقور إسرائيل إلي حمائم. وقلب نتنياهو الحجر يصبح رقيقا ناعما أخضر كقلب خساية.. وفي اللحظة ذاتها تنهمر دموع أبومازن ورفاقه من الفتحويين ودموع كل الأشاوس من قيادات فتح لتدب الحياة والخضرة في أغصان شجر الزيتون بعد أن جفت وتيبست واستخدمها أبناء الخندق الواحد بنادق وشوما يحاربون بها بعضهم البعض بعد أن أعمي الله بصيرتهم وبصرهم عن العدو الحقيقي لهم.. ثم تتضافر الأحداث وتتكتل في اللوحة النادرة لنجد حلم السنين وقد تحقق بكلمة سر يطلقها أوباما من منبره في جامعة القاهرة: يا مرجان هز لي عرش الأرض المحتلة في فلسطين. واضرب الدنيا هناك في الخلاط واقسم كوكتيل عصيرها علي كوبين. أقصد دولتين وبدلا من "الشاليمو" اغرز فوق كل واحدة منها علما يرفرف واسمعني وأنا في مقامها هذا عزف الموسيقي والنشيد الوطني لكل منهما!
فريق آخر اعتقد أن الرئيس أوباما وقبل أن يقوم من مقامه ويغادر مكانه فإن ينابيع الديمقراطية سوف تنفجر في كل سنتيمتر من بلدان العالم العربي. وأن حقوق الانسان سوف تصبح حقا أصيلا وأساسيا لكل البشر يمارسونه بلا استئذان مثل التنفس.
ورأي المعارضون أنفسهم وقد وصلوا إلي سدة الحكم.. وسبحان الله كل فريق وصل وجلس علي كرسي العرش "دلدل رجليه". مع ان هناك كرسياً واحدا. وشعبا واحدا. لكن كل فريق اعتقد أن بركة الشيخ أوباما سوف تحل وبالتالي سيعتلي كل منهم الكرسي. ويكون لكل تيار ولون أو حتي جماعة كانت قبل وصول أوباما محظورة شعبا هو حر فيه. يفرده ويكويه و"يبخ" فيه أفكاره التي يريدها.
أما المتاجرون بمشاكل الأقباط وحقوق الأقليات وخانات الديانات والمذاهب في الأقباط. فقد هدموا أيضا. حيث جاء الرجل ورحل والدنيا لا تزال علي حالها!
البعض الآخر انتظر أن يتحقق مبدأ: "اللي خربها يصلحها".. وبالتالي مثلما تسببت أمريكا في الأزمة العالمية وجعلت فيروس الخراب "ووقف الحال" يدب في جسم الكون. فإن أوباما سيعلن من منبره أسف أمريكا عما بدر منها في حق العالم. ثم يخرج من جرابه جهازاً سحريا اليكترونيا. يضغط علي أزراره التي هي علي كل لون فتمتلئ حسابات البنوك المركزية بالدولارات وتنعدل الكفات المائلة لموازين المدفوعات. وتصبح الدنيا ربيعاً وينقلب الجو بديعاً.
وسرح البعض بخياله إلي ما هو أبعد. فاعتقد أن زيارة أوباما ستكون تحصيل حاصل ما لم تختف في التو واللحظة احتكارات الحديد والأسمنت ويصبح القمح المستورد غير فاسد والأرز الذي نأكله بدون سوس. وبالمرة ينمحي اسم وفصل فيروس أنفلونزا الخنادير فيختفي الرعب من نفوس الناس ويعم الاستقرار والسلام.
وهكذا حمل كثيرون زيارة أوباما لمصر أكثر مما تحتمل. ولعلنها في هذا بالمناسبة لا أعفي أحدا من المسئولية في ذلك وخصوصاً بعض الصحفيين والإعلاميين الذي أوحوا للناس بأن البركة في السياسة والاقتصاد والديمقراطية والفن وربما في أحوال عقم النساء والرجال ستحل بعد أن يطأ هذا المبروك أرض مصر بقدميه الكريمتين ويوجه خطابه للعالمين الإسلامي والعربي معاً.. ولذلك قال هؤلاء نفس الشيء تقريبا:¢ أوباما ضحك علينا بكلامه المعسول وحديثه الساحر. قلوظ لنا العمة ولبسنا الطراطير. لكننا جميعا في مولد سيدي أوباما لم نأكل الحمص. بل أكلنا الأونطة بطريقته الأوبامية وجلا جلا..
وعندما تقول لأحدهم الرجل جاء إلي مصر يشرح منهجه ويحدد الملامح الرئيسية لخطوط سياساته وليقول للجميع في العالمين الإسلامي والعربي أريد أن أفتح لأمريكا صفحة جديدة معكم. ونقول عفا الله عما سلف وأمد للجميع يدي فإن شئتم وبلا إجبار مدوا أياديكم لي كي نصنع سويا الحلم. فيد واحدة لن تصفق ولن تبني.
ويرد هؤلاء: لقد جاء يمد يده كي ننقذه ونأخذ بيد أمريكا الغارقة في أوحال العراق وأفغانستان.. ولقد جاء لكي يساعد العرب أمريكا علي الخروج من ورطتهم الاقتصادية.. ولقد.. ولقد.. باختصار من أجل مصلحة أمريكا ولمصلحة إسرائيل معا جاء أوباما.. ويؤكدون: كل من لا يفهم هذا ويقره فهو ساذج ولم يقرأ ما بين السطور في الخطاب. أو أنه حتي لم يفهم المعاني الأساسية في الألفاظ والكلمات الصريحة. فالرجل قالها بالفم المليان: ان العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لا يمكن زعزتها وأنها مبنية علي روابط ثقافية وتاريخية.. كما تحدث أيضا عن معاداة السامية والهولوكوست محرقة اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
وعندما ترد علي هؤلاء بقولك: لا تتحدثوا علي طريقة لا تقربوا الصلاة. فالرجل تحدث صراحة عن معاناة الفلسطينيين. واستخدم لأول مرة عبارة المقاومة الفلسطينية. لدرجة أن صحيفة "ها آرتس" الإسرائيلية قالت إن الرابع من يونيو 2009 سيذكر في تاريخ العالم كآخر أيام حقبة 11 سبتمبر. حيث بدأ بوش ما أسماه الحرب علي الإرهاب بعد هذا التاريخ واحتل أفغانستان والعراق. أما أوباما فإنه وبدلا من الحرب علي العالم الإسلامي يريد دولة فلسطينية علي حدود 67 وتطبيعا للعلاقات بين إسرائيل والدول العربية وبدلا من توازن الرعب النووي بين إيران وإسرائيل سيوقع البلدان علي معاهدة منع الانتشار النووي!!
كما قالت صحيفة "جيروزاليم" ان الدول سوف تستغرق أياما وربما أسابيع وشهوراً لقراءة وتحليل ال 5804 كلمات التي تألف منها خطاب أوباما. وبدأ خبراء الصحيفة بتحليل الجيد والأسوأ في مضمونها بالنسبة لإسرائيل.
ليس معني هذا ان نسرف في تفاؤلنا فنصدم. وفي الوقت نفسه لا يجب أن نتشاءم فنضيع الفرصة أو بمعني أدق العرض.. ودعونا ننتظر النتائج ونحكم علي الواقع إذا وقع. وحتي يحدث هذا لا نملك إلا أن نقول أفلح إن صدق.